سلسلة : {أحسن القصص} دروس وعبر:
الحمد لله الذي جعل القصص عبرة المعتبرين وفاكهة المتفكهين وسلوة المحزونين والصلاة والسلام على أصدق القاصين وسيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم إلى يوم الدين.. وبعد:
أخوتي الكرام : لنبحر بنا في أمهات الكتب ونغوص في أعماق التاريخ لنبحث عما هو صالح ومفيد وشيق وعظيم ليكون لنا نبراساً ونوراً وعظة لمواجهة تحديات وصعوبات الحياة وعقبات ومشكلات المجتمع وليكون لنا دعامة وسنداً وتوجيهاً فلا تؤثر فينا الزلازل والفتن وتقلبات الحياة قال تعالى : {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (يوسف : 111)..
أخوتي الفضلاء : القصة الحقيقية إنما هي عبرة عامة وموعظة تتكرر في كل عصر وزمن. والغرض من فتح هذا الباب ليس من أجل التسلية أو مجرد إهدار للوقت أو من أجل الملهاة وإنما الغرض منه مع الترويح عن النفس العظة والاعتبار والاقتداء بمن سبقونا في مجال التضحيات والفداء حتى نكون خير خلف لخير سلف {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} (هود : 120)..
وأعلموا أحبتي في الله: بأن الداعية إلى الله سوف يواجه في حياته كثيراً من المعضلات وتنغلق أمامه الأبواب ويكبل بالقيود التي تحد من دعوته ويصبح أمام تيار هائج يصعب عليه مقاومته أو التصدي له فإن لم يكن له دراية بمثل هذه القصص والأحاديث التي تنم عن روح الفداء والتضحيات من أشخاص بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة التوحيد ونصرة دين الله؛ غرق في بحر التشتت والضياع وتلاطمته أمواج الفتن لأنه لم يتعلم الوصفة الناجعة لفك رموز المجتمع . أما إذا قرأ أمثال هذه القصص بتمعن وتدقيق وتمحيص فسوف يخالجه شعور بالقوة والإرادة وتذوب أمام هامته الصعاب والتحديات وتتفجر بين جنبيه طاقة هائلة فيصبح بركاناً ثائراً وإعصاراً هائجاً يحرق كل ما هو خبيث وفاسد ويقتلع كل ما يكون حجر عثرة في طريقه بعد أن يعرف الترياق السليم الناجع لتلك المشكلات..
أحبتي : لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الكثير من قصص السابقين ليقوي عزم الرسول صلى الله عليه وسلم للقيام بمشاق ومهام الرسالة ، وفي تلك القصص العظة والعبرة التي ينتفع بها المؤمنون ، فيزدادون ارتباطاً بالإيمان وتفتح تلك القصص آفاق التوبة لجميع الناس للعودة إلى التمسك بالدين ، وإن ما أصابهم إنما ذلك كان لغفلة أصابتهم فيعودوا إلى رحاب الإيمان ولا يصروا على معاصيهم قال الله تعالى في كتابه العزيز : {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} (هود : 120)..
أخوتي الكرام : إن التاريح يحدثنا عن أنواع من القصص وقد تكون أغرب من الخيال في عصرنا الحاضر بعد أن تلبدت عقولنا وخارت عزيمتنا وتهالكت أجسادنا وانغمسنا في دنيا المال والشهوة ونسينا الموت والحساب فأصبحت أمثال هذه القصص ضرباَ من ضروب الخيال التي يندر أن تتكرر في عصرنا الراهن . ولكن لو عدنا إلى ما صلح به أولنا لظهرت أمثال هذه القصص ولأصبحت واقعاً ملموساً فلأنهم تشبعوا بالإيمان وانغمسوا في عقيدة التوحيد وتساموا عن ملذات الدنيا صاروا إلى ما صاروا إليه.
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر
ضلَّ قوم ليس يدرون الخبر
فالتاريخ يحدثنا عن أنواع من الإبتلاءات كانت تنزل بالمؤمنين من أتباع الرسل ، حيث تنشر أجسامهم بالمناشير وتقطع أوصالهم ويصلبوا في جذوع النخل وغيرها من صنوف العذاب والتنكيل من أساليب الطغاة والجبارين ولا يصرفهم ذلك عن دينهم والإيمان بخالقهم موجد الحياة والموت .
إن الله سبحانه وتعالى جعل هؤلاء الجبارين والطغاة المتكبرين أداة تعذيب وتنكيل لأتباع دينه والمخلصين من أبناء الإنسانية وذلك لحكمة قد تغيب عن عقولنا ، أو ليختبر صبرهم ويبلو إيمانهم حتى يتميز من يدعي الإيمان بلسانه ومن هو على الحق واليقين بقلبه قال تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} (البقرة :214) وقال سبحانه : { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمعن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } (النكبوت : (2 ـ 3)..
وأعلم أخي الكريم إن أحسن القصص وأعجبه وأبلغه أثراً في النفس هو ما كان من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم..
أخوتي : بعد نهاية كل قصة سنقف على مواطن العظة والعبرة ونكتب لكم الدروس والعبر المستفادة منها.
وإلى ذلك الحين أستودعكم الله حيث لا تضيع ودائعه..